وفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ثــقـيـف
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان . وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف .
وكان من حديثهم : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم " اتبع أثره عروة بن مسعود ، حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة . فأسلم ، وسأله : أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن فيهم نخوة الامتناع ) فقال : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم . وكان فيهم كذلك محببا مطاعا .
فخرج يدعوهم إلى الإسلام ، رجاء ألا يخالفوه ، لمنزلته فيهم . فلما أشرف لهم على علية - وقد دعاهم إلى الإسلام - رموه بالنبل من كل وجه . فأصابه سهم فقتله ، فقيل له : ما ترى في دمك ؟ فقال : كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي . فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم . فادفنوني معهم ، فدفنوه معهم . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه ) .
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة شهرا . ثم ائتمروا بينهم . ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد أسلموا وبايعوا . فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، كما أرسلوا عروة .
فكلموا عبد ياليل بن عمرو ، وعرضوا عليه ذلك . فأبى ، وخشي أن يصنع به كما صنع بعروة . فقال : لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا . - ص 218 - فأجمعوا أن يرسلوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك ، منهم عثمان بن أبي العاص . فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة . فاشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم . فلقيه أبو بكر ، فقال : أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل . ثم خرج المغيرة إلى أصحابه ، فروح الظهر معهم . وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية . فضرب عليهم قبة في ناحية المسجد .
وكان فيما سألوه : أن يدع لهم اللات لا يهدمها ثلاث سنوات ، فأبى . فما برحوا يسألونه سنة ، فيأبى . حتى سألوه شهرا واحدا . فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى . وإنما يريدون بذلك - فيما يظهرون - أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم ، ويكرهون أن يروعوهم بهدمها ، حتى يدخلهم الإسلام . فأبى إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها .
فلما أسلموا أمر عليهم عثمان بن أبي العاص - وكان من أحدثهم سنا - وذلك : أنه كان من أحرصهم على التفقه في الدين ، وتعلم القرآن .
فلما توجهوا راجعين بعث معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة : أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ، وقال : ادخل أنت على قومك . وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم . فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول . وقام دونه بنو مغيث ، خشية أن يرمى ، كما فعل بعروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها . فلما هدمها أخذ مالها وحليها وأرسل به إلى أبي سفيان .
مختصر السيرة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب

