سؤالهم عن الروح وأهل الكهف
وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمره ؟ . - ص 104 - قال ابن إسحاق عن ابن عباس : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار اليهود بالمدينة فقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته . فإنهم أهل الكتاب . وعنده ما ليس عندنا من علم الأنبياء .
فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألاهم عنه ؟ ووصفا لهم أمره . فقالت لهما أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث . فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فهو رجل منقول . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب . وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها . فما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فأقبلا ، حتى قدما مكة . فقالوا : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد . قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها .
فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عما أخبرهم أحبار يهود . فجاءه جبريل بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه . من الفتية والرجل الطواف . وجاءه بقوله ( ويسألونك عن الروح ) - الآية (1) .
قال ابن إسحاق : فافتتح السورة بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروا عليه من ذلك . فقال ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب )(2) يعني أنك رسول مني ، أي تحقيق ما سألوه عنه من نبوتك ( ولم يجعل له عوجا )(3) أي أنزله معتدلا . لا خلاف فيه - وذكر تفسير السورة - إلى أن قال أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا )(4) - ص 105 - أي ما رأوا من قدرتي في أمر الخلائق وفيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك وأعجب .
وعن ابن عباس : الذي آتيتك من الكتاب والسنة أعظم من شأن أصحاب الكهف . قال ابن عباس والأمر على ما ذكروا فإن مكثهم نياما ثلاثمائة سنة آية دالة على قدرة الله ومشيئته .
وهي آية دالة على معاد الأبدان كما قال تعالى : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها )(5) وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم هل تعاد الأرواح وحدها ؟ أم الأرواح والأبدان ؟ فجعلهم الله آية دالة على معاد الأبدان وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - بقصتهم . من غير أن يعلمه بشر . آية دالة على نبوته . فكانت قصتهم آية دالة على الأصول الثلاثة الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر .
ومع هذا : فمن آيات الله ما هو أعجب من ذلك . وقد ذكر الله سبحانه وتعالى سؤالهم عن هذه الآيات التي سألوه عنها ليعلموا : هل هو نبي صادق . أو كاذب ؟ فقال ( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا )(6) إلى قوله – ( وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا )(7) وقوله ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ) –(8) إلى قوله – (إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون )(9) . والقرآن مملوء من إخباره بالغيب الماضي . الذي لا يعلمه أحد من - ص 106 - البشر . إلا من جهة الأنبياء . لا من جهة الأولياء ولا من جهة غيرها .
وقد عرفوا أنه -صلى الله عليه وسلم - لا يتعلم هذا من بشر . ففيه آية وبرهان قاطع على صدقه ونبوته .
مختصر السيرة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب
________________________
( 1) من الآية 85 من سورة الإسراء.
( 2) من الآية 1 سورة الكهف.
(3 ) سورة الكهف آية : 1.
( 4) آية 9 سورة الكهف.
( 5) من الآية 21 سورة الكهف.
( 6) سورة الكهف آية : 83.
( 7) الآيات من 83 - 98 من سورة الكهف.
( 8) سورة الكهف آية : 100.
( 9) سورة يوسف آية : 7.

